الأحد، 3 أبريل 2011

ظروف الخطاب النهضوي


شهد العرب نهضة فكرية مند أكثر من مائة وخمسين عاما، والتي شكلت مرحلة تاريخية مهمة في التاريخ العربي، بل كانت الفاعل الأكبر في تشكيل الوعي و التاريخ المعاصرين لدي مختلف التيارات الفكرية المعاصرة.
عرف التاريخ العربي نهضة وتقدما خلال فترة محددة من "العصور الوسطي" ثم مرحلة التخلف والفقر والضياع والتشتت منذ قرون سابقة إلي وقتنا الراهن[1] . والنهضة في اللغة من فعل نهض، ينهض، أي النهوض من الموضع والقيام عنه، وانتهض بمعني قام و اصطلاحا: "نظرية الصعود من درجة إلى أعلى أو إيصال العرب إلي مستوى الحضارة الكونية"[2]
نظر العرب إلى أنفسهم في مرآة الأخر الذي فرض نفسه في المواجهة العسكرية[3] فأدرك العرب الفرق بين الذات والأخر. وانطلق البحث عن فرص الإنعتاق من السبات والسكون وأخذت بوادر اليقظة الأولى المتأثرة بالآراء والمفاهيم الجديدة التي جاءت بها الثورة الفرنسية، وبدأت النخب السياسية والثقافية تنادي بالخطاب اللبرالي والثقافة القومية خاصة في مناطق النفوذ العثماني في وقت تمادى فيه الأتراك في سياسة التتريك. فما هي أهم مميزات حقبة تبلور وبروز الخطاب ؟
لقد ساهمت ظروف معينة في إنتاج فكر النهضة. بل إن خطاب القرن 19 لم يرتبط فقط بهذه الظروف من ناحية إنتاجه وبلورته ولكن حتى من حيث تشكل أسباب فشله أيضا. لقد حاول عابد الجابري أن يناقش إشكاليات النهضة في خطابها القديم والحديث، من خلال التطرق إلى الإشكالات التي أرقت مفكروها الأوائل، ويطرح أن نفس هذه الإشكالات هي التي ظلت قائمة حتى لدى الجيل الحديث من المفكرين، ولا يقتصر الأمر على تيار واحد من تيارات الفكر العربي، فإشكالية النهضة هي إشكالية الجميع وخلص الدكتور عابد الجابري في تتبعه لمسار التيار السلفي واللبرالي إلى أن خطاب النهضة لم تتغير مستوياته إطلاقا لأن الخطاب القديم والحديد متشابهان، فالخطاب السلفي ظل مرتبطا بالريف بالتالي يكون أكثر تمسكا بالمرجعية الدينية عكس الخطاب الليبرالي الذي اربط بالمدينة فتوطدت صلته بالحرفيين، ومن ناحية أخرى فالخطاب النهضوي يعرف هوة كبيره بين شقه المتداول بين المثقفين وشقه المتداول بين العامة في المناقشات الشفهية.
حاول الخطاب النهضوي الإجابة على إشكالية واحدة: كيف يمكن أن نواجه الانحطاط ونحقق التقدم؟ هذا السؤال فرض نفسه لحظة اصطدامه بالاستعمار الذي فرض نفسه مباشرا كان أو غير مباشر.
يأتي خطاب النهضة في سياق تاريخي معين وفي ظروف تاريخية معينة التي لقد تجاوزت الرقعة الجغرافية للبلاد العربية، وساهمت في بلورتها شروط "التاريخ العالمي"، وليس الظروف الإقليمية هي التي كانت وراء الإنتاج الفكري لعصر النهضة فقط. "فالتاريخ المعاصر كل الحدود والحواجز بين الشعوب والأمم والقارات. "[4] 
إننا هنا نتحدث عن تأثر المفكر ببيئته الاجتماعية فزمن رواد النهضة كان زمن الصراع بين الذات والأخر، بين القوة الامبريالية و ضحيتها، هذه الظروف ستساهم لا محالة في التأثير على مفكري النهضة وعلى تصوراتهم لأشياء، إن فكر النهضة انعكاس لواقع الرواد على تصوراتهم وبالتالي على متونهم.
نحاول أن نقدم أهم الشروط التي أثرت فكر النهضة، طبعا لإيماننا بأن الخطاب النظري لا يمكن أن يبعد عن الواقع وان الممارسة النظرية للمفكر تفاعلا دائما وحتميا مع الميدان، إن المفكر حدث يضرب جذور التاريخ العام لاستطيع أن يكون محايدا لا يتأثر بالتاريخ وأحداثه الأخرى.[5]
ساهم عاملان رئيسيان في بلورة فكر النهضة، ويسميهما كمال عبد اللطيف بالمرتكزين الأساسين لفكر النهضة وهما:
·                    التأخر التاريخي و الانحطاط
·                    الهيمنة الاستعمارية
إن النظر في بنية المجتمع المصري وثوابته، خاصة إذا أطرنا موضوعنا على المستوى  الجغرافي في مصر، وعلى المستوى التاريخي في بداية الهيمنة الانكليزية 1882الى ثورة 1952.تكون المسألتان التي حدنا واضحتي المعالم علي محيا المجتمع المصري خاصة والعربي عامة.
1-                   التأخر التاريخي والانحطاط
يقصد في الغالب بمفهوم التأخر حالة الشرق مقابل الغرب، فالشرق متأخر تاريخيا عن الغرب في مختلف مناحي الحياة، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ففي هذه الفترة على المستوى الاقتصادي كان الغرب قد دخل غمار الاقتصاد الرأسمالي بينما حافظ الشرق علي نمط الاقتصاد الأسيوي أو اقتصاد القلة. عاش سكان مصر في هذا الظرف استبدادا سياسيا وجمودا ثقافيا، لهذا السبب بالذات ردد الخطاب النهضوي مفاهيم التأخر و الانحطاط و الغفوة والنوم، مند دخول مصر تحت سلطة آل عثمان على يد السلطان سليم سنة 1517، عندما قضى على نفوذ المماليك .
إن ملامح التأخر التاريخي كانت بادية في العلاقات الاجتماعية "السائدة" في الشارع المصري، وكان عنوان المرحلة نمط شبه إقطاعي في تأطير العلاقات الاقتصادية خاصة في الريف، أما في المدن فإن العلاقات التجارية بينها وبين الاستعمار سواء لحظة الاستعمار المباشر أو قبله ساهمت في خلق اقتصاد رأسمالي تابع حيت استفادت طبقة صاعدة من الوضع.
إن تخلف الاقتصاد المصري وتزايد وطأـة توجيهه للإفادة الاقتصاد الانكليزي كان أيضا عاملا في عدم تطور المجتمع سياسيا وفشل كل محاولات الإصلاح.
لقد كانت الحياة الفكرية غارقة في الوهم و الخرافة، ولم يكن المثقف التقليدي المتحصن بالجوامع والمؤسسات الدينية التقليدية فكانوا يعيدون إنتاج نفس الخطاب التقليدي، ولم تكن لهم أية صلة بما يحدث في أوربا من نهضة شاملة، فقد انحصرت علاقتهم بالغرب في علاقة "بلاد الإسلام" و"بلاد الحرب". وخلاصة القول أن الإنسان المصري/العربي كان غافلا وملأ رأسه بمسائل البعث والنشر ولم يهتم بمتطلبات العيش الكريم".
2-      الهيمنة الاستعمارية
عمل لاستعمار الانكليزي على تدمير كل المصانع والمشاريع التي أنجزتها دولة محمد علي، عاملة علي تفكيك كل البني الحديثة التي بدأت بالنشوء بعد الحملة النابليونية. كانت حاجة أسوق الانكليزية هي من يوجه سيوجه السياسة في مصر وتحويل مصر إلى ضيعة كبرى لإنتاج القطن تابعة للمصانع.وكان التدخل العنيف هدا في سياق تصريف  أزمة الاقتصاد الرأسمالي  وحل مشاكل المادة الخام ومشاكل السوق، ومواصلة تفكيك البنيات الاقتصادية والاجتماعية المتبقية، حتى يتم تسخير الاقتصاد المصري بكل قوته لفائدة الاقتصاد الانكليزي.
عموما فإن الظرفية التي أفرزت خطاب النهضة كانت طرفية أزمة حقيقية، كان لزاما معها القيام بإصلاح أو على الأقل الدعوة لهذا الإصلاح الذي لم يتم. فكيف كانت دعوات الإصلاح هذه؟  وماهي الحلول التي قدمت؟


[1]    من الموضوعية أن نقول إن المجتمع العربي عاش مرحلة التخلف مرة  واحدة  وهي التي تحدثنا عليها وليس من الموضوعية أن نقول إن هذا المجتمع عاش تخلفا قبل الإسلام ، لان لكل عصر معاير تقدمه أو تخلفه فلا يكفي أن يكون المجتمع العربي لم يدين بعد بالإسلام حتى نقول انه متخلف كما يطرح بعض الطلبة وحتى الباحثين.

[2]   اغتيال العقل ، الدكتور برهان غليون، المؤسسة العربية للدراسات و النشر،بيروت،  ط6، 1992، ص192.

[3] اقصد هنا حملة بونا بارت إلى ومصر وكذلك لحظة 1830 سنة احتلال الجزائر. وما تلا ذلك من هزائم في الميدان.
[4]   كمال عبد اللطيف، سلمة موسى وإشكالية النهضة، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، ،ط 1، 1982، ص24

[5]   انطونيو كرامشي، نقلا عن  كمال عبد اللطيف، المرجع السابق،ص25.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق