الأحد، 3 أبريل 2011

الخطاب السلفي


ساهمت ظروف معينة في إنتاج فكر النهضة، ولم يرتبط  خطاب القرن 19 لم يرتبط فقط بهذه الظروف من ناحية إنتاجه وبلورته، إذ تجاوزت هذه الظروف الرقعة الجغرافية للبلاد العربية، وساهمت في بلورتها شروط "التاريخ العالمي".كان إشكالات النهضة واضحة اتفق عليها الجميع، لكن اختلفت الإجابات والوصفات السحرية بحسب كل تيار. حاول التيار السلفي أن يقدم سبل و أسباب تقدم الأمة إذ راهنوا على ضرورة استحضار أسباب قوة المجتمع الإسلامي في غابر عهده فما هي أهم سمات الخطاب السلفي؟ وما هي الحلول التي يقدمها للخروج من  هذا التخلف؟
سأحاول خلال هذا العرض أن أجيب في شق أول على السؤال: ما هي الأفكار التي استطعت أن التقطها في محاضرة الأستاذ عبد الكريم مدون؟ وفي شق ثان: كيف تفاعلت مع ما جاء في هذه المحاضرة؟
الشق الأول: ملخص المحاضرة
عمل التيار السلفي، الذي أنتجته ظروف تاريخية واجتماعية، أن يجيب علي الإشكالية السابقة، فأعتقد أن الخلاص من الأزمة هو الرجوع إلى الأصل.من خلال منط بعثي إحيائي. قارب أنور عبد المالك من خلال آليات ومفاهيم كرامشي  السلفي،  وقف على أهم سمات إحياء النموذج وإعادة بناء مجتمع سالف بمختلف مقوماته.
ناقش جلال الدين الأفغاني[1] الفيلسوف الفرنسي رينان، مبرزا أن علمية الإسلام لا يشوبها ريب إطلاقا. ويستطيع الإنسان المسلم فهم الفكر الفلسفي و إنتاجه حتى. فالفكر العربي قادر على الإبداع ولم يتوقف الفيلسوف العربي عند ترجمة النص اليوناني و فهمه بل أبدع ابتداعا يشهد له التاريخ به. ويربط تخلف المسلمين بسلوك المسلم وليس بالدين أو النص الديني بحد ذاته.
ليس الأفغاني وحده من سلك طريق الردود ولكن أيضا محمد عبده[2]، فقد رد الأخير على وزير الخارجية الفرنسية اثر نشره مقالا بإحدى الصحف الباريسية متهما فيه الإسلام بأنه سبب تخلف المجتمع العربي، فطبيعته المحافظة هي التي تشد العرب إلى الوراء وتحول دون تقدمهم - على حد تعبير الوزير-. لم يكن نقاش عبده حجاجيا كما هو الحال مع نقاش الأفغاني ورينان، ولكن كان اندفاعيا وانفعاليا .
عموما، إن الخطاب السلفي في مختلف أبعاده يقوم على أساسين اثنين:
· منطق البعث والحياء
وهذا المنطق يقوم على رفض الحلول الجاهزة التي جاء بها الأخر الأوربي، معتبرا أنها لا تتماشى و المجتمع الإسلامي خاصة، ولما كان قد عاش تقدما يوما ما فإنه من الواجب إحياء نهضة السلف و الاقتداء بآثارهم من اجل إعادة تحقيق النهضة والتقدم.
· منطق كونية الدين الإسلامي
لقد واجه السلفيون من خلال هذا المنطق أطروحات أجنبية، معتبرين أن الإسلام يحتوي علي القيم العالمية وهو الخلاص سواء للمجتمع العربي أو أي مجتمع آخر خاصة إذا تم الأخذ به على الطريقة الصحيحة.
الشق الثاني: مناقشة لبعض الأفكار
يحدد الخطاب السلفي جوهر الأزمة في الانفصال عن الماضي والبعد عن الدين فأثر الرجوع إلى الأصل وبعث النص كحل لواقع الانحطاط. عندما قرأ المفكر السلفي علامات هذا الانحطاط أصبح له منطقين أو جبهتي تفكير أاثنتين:
·                   المنطق العقائدي أو الإصلاح الديني
·                   المنطق التاريخي أو الإصلاح السياسي

1-              مستوى المنطق العقائدي والإصلاح الديني
يرى  السلفيون أن سبب انحطاط الأمة  وتخلفها كان نتيجة حتمية لتخلي الناس عن الدين وتكاثر البدع وأخلاق التصوف والتعليم الجامد والتقليد الأعمى، فإن أرادت الأمة أن تتجاوز تخلفها فعليها أن ترجع إلى الأصل وتتمسك بأسباب الصعود وهذا ما عبر عنه جمال الدين في خاطرة من خواطره عندما قال : " متى ضعف ما كان سبا في الصعود يحصل الهبوط والانحطاط ومتى زال ما كان سببا في السقوط يحصل الصعود".
وابرز رائدي هذا التيار جمال الدين الأفغاني و محمد عبده هذا في محاوراتهما مع الغرب. وفي هذا السياق جاءت  ردود الأفغاني على محاضرات المؤرخ الفرنسي رينان التي  كانت تبين أن الديانة الإسلامية منافية للعلم ومعادية للعلماء، وان المسلم بطبيعته لا يستطيع فهم الفكر الفلسفي أو بالأحرى إنتاج فكر حقيقي. فحاول عبده أن يوضح أن تخلف المسلمين كان راجعا إلى واقعهم و بعدهم عن الدين. وردا على القضية الثانية اعتبر أن المنتوج الفلسفي الذي أنجزه فلاسفة المسلمون زمن تقدمهم نموذجا ومثالا ولم يقف فقط على الترجمة التي قام بها مفكرو الإسلام للفكر اليوناني متجاوزا ذلك إلى أننهم أضفوا الصبغة الإسلامية علي النصوص التي ترجموها ،اذ كانت تعكس أيضا شخصية المترجم وقناعاته.
لم يخرج عبده عن هذا، عندما رد على مقال وزير الخارجية الفرنسي المنشور في صحيفة باريسية سنة 1900 بعنوان "المسألة الإسلامية". كان الوزير يطرح إن الطبيعة المحافظة التي يتصف بها الإسلام كانت السبب الرئيس وراء تخلف المسلمين عكس المسيحية التي تحفز علي النشاط وتساعد على التطور.
يقدم الخطاب السلفي مجموعة من المقارنات بين الإسلام والديمقراطية/الرأسمالية/ الاشتراكية/الليبرالية، وكان الهدف منها بالدرجة الأولى تبيان أن الإسلام ذا طبيعة كونية شمولية تتجاوز مختلف هذه النماذج والتصورات التي تنظم المجتمعات، لان الإسلام حسب اعتقادهم إطلاقي صالح لكل زمان ومكان، عندما يطبق بالشكل الصحيح، طبعا شكل السلف الصالح.



2-  مستوي المنطق التاريخي الإصلاحي
لم يكن الخطاب السلفي يقف عند الدعوة و العقيدة ولكن ظروف الزحف الامبريالي فرض عليها أن تكون لها مواقف سياسية. فأكسبوا المواجهة مع الامبريالية صبغة حرب الإسلام والمسيحية، من هنا عاد الحنين إلى دولة الخلافة فكان الموقف الطبيعي ضرورة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية من اجل تكتيف الجهود وتقوية الأمة من اجل القدرة على رد العدوان المسيحي . فالجامعة ادن هي الكفيل الوحيد والضامن الأساسي القادر على مواجهة "الاستعمار المسيحي".
ان نقاش  السلفيين لم يكن محصورا في مواجهة الطرح الأوربي فحسب، ولكن كانت المواجهة الداخلية أقوى، إذ رفض دعاة الجامعة الإسلامية رأي من يقترح فصل الدين عن الدولة مثل رشيد رضا الذي رأى إن طرح الخلافة الإسلامية يعزز موقف المسلمين ضد الأقلية المسيحية، وباعتباره مسيحيا عربيا كان من الضروري مواجهة الخطاب السلفي والدعوة للعلمانية بإبراز دورها في خلق أسباب تقدم العرب. هذا ما رفضه عبده في الردود الستة لما وقف عند أهمية الجمع بين السلطة الدينية والسياسية ، مؤكدا أن أي فصل بينهما لن يكون إلا سبيلا لاستمرار انحطاط المسلمين، ولا يستطيع الحاكم المسلم أبدا أن يتخلص من عقيدته عند مزاولة  حكمه لان تعاليم الإسلام توصي كذلك بأمور الحكم والسياسة، والفصل هنا يكون تركا لفرائض ضرورية.
هكذا كان الطرح السلفي يقدم مشروعه وهذه هي الإستراتيجية التي يقدمها كوصفة سحرية للتقدم.


[1]  جمال الدين الحسيني الأفغاني (1838 – 1897)، أحد الأعلام البارزين في عصر النهضة العربية وأحد الدعاة للتجديد الإسلامي.، جال مجموعة من البلاد، اقدم على ترجمة مجموعة من الكتابات الي العربية،وكان له اثر علمي وسياسي.

[2]   الشيخ محمد عبده بن حسن خير الله، (1849 – 1905)، حاول الشيخ محمد عبده التوفيق بين التراث الإسلامي الذي اعتمد على التقليد بعد دخول الحضارة الإسلامية طور الجمود وبين التفكير العقلي، لذلك كان توجهه في جوهره معتزليا. وكان يرى أن النهضة يجب أن تبدأ من خلال التعليم وليس من خلال الثورة، ومع ذلك انضم إلى ثورة عرابي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق