الأحد، 17 أبريل 2011

محتويات مدونة النظرة

الخميس، 14 أبريل 2011

منهجية كتابة بحث تاريخي


تقديم
تعد المنهجية من أهم ما يحرص عليه الباحث في حقل التاريخ أو في أي حقل أكاديمي آخر، ليس محترف التاريخ الذي يتمتع بدراية عالية من الخبرة هو من يعمل بقواعد المنهج فحسب بل حتى الطالب المبتدئ ولعلك ترى أن المنهجية هي ما يؤرق الطالب أكثر من أي شيء أخر.

فمنهج البحث التاريخي هو مجموعة الآليات و التقنيات التي يتبعها الباحث و المؤرخ للوصول إلى الحقيقة التاريخية. و إعادة بناء الماضي بكل وقائعه و زواياه ، بواسطته يقوم الباحث بتقصي الحوادث أو الوقائع التي حدثت في الماضي لإقامة تتابع للأحداث التي وقعت بالفعل، و تأطير السلوك الإنساني أو ترتيبه عبر كرونولوجيا الزمن الماضي.

وفي ما يلي أهم خطوات البحث التاريخي :

1-               اختيار الموضوع


قبل أن يجد الباحث موضوعا محددا فإنه " يختار العصر الذي سينجز فيه بحثه"[1]  "كان يبحث في التاريخ القديم أو الوسيط أو الحديث أو المعاصر"[2] ويكون أكثر تدقيقا  بتحديد الرقعة الجغرافية فإن اختار البحث في تاريخ سوس خلال القرن 18 هنا يحدد زمانا ومكانا دقيقين يسهلان عليه اختيار موضوع للبحث، فبعد هذا التحديد الأولي يكون لدى الباحث مجموعة من الطرق لاختيار الموضوع:

أ‌-                     اقتراح الأستاذ:

طبعا يختلف الباحثين لاختلاف درجاتهم فالطالب المبتدئ ليس بدرجة الذي يعد أطروحة، فبحث الأول لبس أكثر من تمرين يتعلم فيه آليات وتقنيات البحث فهو لا ينجز بحثا من اجل "الوصول إلى نتائج علمية جديدة لم تكن معروفة من قبل"[3] وإنما يتدرب علي استخدام المنهج لهذا السبب لا بأس أن يمده الأستاذ المشرف بقائمة من الصادر والمراجع ويقترح عليه موضوعا مناسبا.

ب‌-                الاستوحاء من المصادر والمراجع :

إن التحديد الأولي لزمان ومكان البحث الذي اشرنا إليه في ما سبق من القول يرشدنا إلى قامة المصادر و المراجع الخاصة بالمكان المحدد خلال الزمان المحدد،فسيجد في آخر هذه المراجع قائمة الكتب المتعلقة بعصر بحثه،ومن خلال القائمة ينطلق باحثا عن موضوع،[4] إما :

·                      من خلال إشارات في بعض الفصول تشير إلى أن موضوعه لا زال يحتاج إلى بحث و تمحيص.

·                      أن يكتشف الباحث أن موضوعا ما لم تتناول هذه الكتب بالشكل الكافي ولا يزال يحتاج إلى بحث أو أن الموضوع غير مدروس بجدية أو ناقص...


2-               خطة البحث

في اللحظة التي يحدد فيها الباحث موضوع بحثه تكون خطوته القادمة هي رسم خطة أولية للبحث، وسيستمد عناصرها من وإحاطته بجميع جوانب الموضوع وسيتأتى له ذلك خاصة وأنه وقف عند مجموعة من المراجع. إن الخطة هذه هي عبارة عن تصميم أو رسم أولي لمحتويات البحث من أبواب وفصول، إننا نتحدث هنا عن النقاط الأساسية ، أو هيكل أولي يحدد الأبواب والفصول التي سيحتوي عليها البحث[5]. ويجب ان يكون عنوان البحث جذابا، شاملا لكل عناصره  وترتيب عناصره سليما [6].

3-                   جمع المعلومات


يجمع الباحث مجموعة من الكتب ذات الصلة بموضوعه، والتي سيعتمد عليها للانجاز بحثه وقد سبق أن اشرنا إلى الطريقة التي ترشده إليها. وهي من ستشكل لائحة البيبليوغرافيا وهذه الكتب تحتاج  إلى تنظيم وضبط  ويتخذ لكل منها بطاقة يكتب اسم كاتبه، اسمه، مكان الطبع، دار الطبع، الطبعة،وتاريخ الطبع.
عادة ما تتفاوت المصادر و المراجع حسب أهميتها لهذا يستحسن ترتيبها وترقيمها حسب الأهمية .وتنقسم إلي ثلاثة أنواع :


·              المصادر والمراجع الأساسية.
·              المصادر والمراجع الثانوية.
·              المصادر والمراجع التكميلية.

هنا يكون الأمر سهلا فيبدأ بالأهم  فالأهم ، ولكي تكون القراءة منظمة لابد من ربطها بخطة البحث ويستحسن كذلك الاستعانة بوسيلة الجذاذات .


4-               نقد المادة


قبل الشروع في كتابة البحث في شكله النهائي لابد من تحليل المعلومات المحصل عليها وفرزها والتأكد من صحتها وتوزيعها على عناصر الخطة، ان هذه العملية تعد عملية أساسية في المنهج وتعرف بنقد الأصول.
لا ينبغي أبدا تقديس المعلومات المستمدة من المصادر أو المراجع ولو كانت وثيقة رسمية إلا بعد إخضاعها لعملية النقد و التمحيص المنهجيين، ونعلم أن نقد الأصول ينقسم إلى قسمين أساسيين[7] :

·              النقد الخارجي،: خلاله نقوم بدراسة الأصل من خارجه أي نحاول التأكد من شخصية المؤلف ونسبته إليه،ومن الخط والأسلوب التي كتبت به الوثيقة، كما ندرس نوعية الورق وزمان ومكان كتابة النص.
·              النقد الداخلي: نحاول أن نتتبع الحالات النفسية والعقلية للكاتب، ومدى إيمانه بما كتب ومدي حياده أو انحيازه.


5-                الكتابة


إنها آخر مرحلة ينتهي عندها البحث ولها مجموعة من الشرط  الشكلية والمضمونية:

عادة ما يتضمن البحث ما يلي:


·           الإهداء
·           التقديم العام
·           طرح الإشكالية
·           دواعي وأسباب اختيار البحث
·           وصف موجز لتصميم الموضوع
·           الصعوبات و الشكر
·           تقديم المصادر المراجع ونقدها
·           التهميش
·           لائحة المراجع
·           الفهرس

دون أن نسي سلامة الأسلوب و اللغة خلال المتن، واحترام الترقيم والتماسك المنهجي...
 

إن عرض المنهجية من بين الموضوعات الأصعب إذ لا يمكن الإحاطة بجميع عناصرها، ولكن حاولنا أن نقف باختصار عند أهم  نقاط منهجية البحث التاريخي.

المراجع

o       العربي الحمدي، الأساس في منهجية البحث، ط1، مطبعة وراقة سجل ماسة، 2007
o       منهج البحث في التاريخ، محمود محمد الحويري، ط2001، نشر المكتب المصري لتوزيع المطبوعات.
o       الفضلي عبد الهادي ، أصول البحث، دار الكتاب الإسلام،1990 ، ص28


[1]   العربي الحمدي، الأساس في منهجية البحث، ط1، مطبعة وراقة سجل ماسة، 2007،ص13
[2]  نفس المرجع،ص 13
[3]  منهج البحث في التاريخ، محمود محمد الحويري، ط2001، نشر المكتب لمصري لتوزيع المطبوعات. ص 245
[4]   الفضلي عبد الهادي ، اصول البحث، دار الكتاب الاسلام،1990 ، ص28
[5] العربي الحمدي: مرجع سابق، ص 17
 [6]   محمود محمد الحويري، مرجع سابق ص 252
[7]   نفس المرجع ص259 

الأحد، 3 أبريل 2011

ظروف الخطاب النهضوي


شهد العرب نهضة فكرية مند أكثر من مائة وخمسين عاما، والتي شكلت مرحلة تاريخية مهمة في التاريخ العربي، بل كانت الفاعل الأكبر في تشكيل الوعي و التاريخ المعاصرين لدي مختلف التيارات الفكرية المعاصرة.
عرف التاريخ العربي نهضة وتقدما خلال فترة محددة من "العصور الوسطي" ثم مرحلة التخلف والفقر والضياع والتشتت منذ قرون سابقة إلي وقتنا الراهن[1] . والنهضة في اللغة من فعل نهض، ينهض، أي النهوض من الموضع والقيام عنه، وانتهض بمعني قام و اصطلاحا: "نظرية الصعود من درجة إلى أعلى أو إيصال العرب إلي مستوى الحضارة الكونية"[2]
نظر العرب إلى أنفسهم في مرآة الأخر الذي فرض نفسه في المواجهة العسكرية[3] فأدرك العرب الفرق بين الذات والأخر. وانطلق البحث عن فرص الإنعتاق من السبات والسكون وأخذت بوادر اليقظة الأولى المتأثرة بالآراء والمفاهيم الجديدة التي جاءت بها الثورة الفرنسية، وبدأت النخب السياسية والثقافية تنادي بالخطاب اللبرالي والثقافة القومية خاصة في مناطق النفوذ العثماني في وقت تمادى فيه الأتراك في سياسة التتريك. فما هي أهم مميزات حقبة تبلور وبروز الخطاب ؟
لقد ساهمت ظروف معينة في إنتاج فكر النهضة. بل إن خطاب القرن 19 لم يرتبط فقط بهذه الظروف من ناحية إنتاجه وبلورته ولكن حتى من حيث تشكل أسباب فشله أيضا. لقد حاول عابد الجابري أن يناقش إشكاليات النهضة في خطابها القديم والحديث، من خلال التطرق إلى الإشكالات التي أرقت مفكروها الأوائل، ويطرح أن نفس هذه الإشكالات هي التي ظلت قائمة حتى لدى الجيل الحديث من المفكرين، ولا يقتصر الأمر على تيار واحد من تيارات الفكر العربي، فإشكالية النهضة هي إشكالية الجميع وخلص الدكتور عابد الجابري في تتبعه لمسار التيار السلفي واللبرالي إلى أن خطاب النهضة لم تتغير مستوياته إطلاقا لأن الخطاب القديم والحديد متشابهان، فالخطاب السلفي ظل مرتبطا بالريف بالتالي يكون أكثر تمسكا بالمرجعية الدينية عكس الخطاب الليبرالي الذي اربط بالمدينة فتوطدت صلته بالحرفيين، ومن ناحية أخرى فالخطاب النهضوي يعرف هوة كبيره بين شقه المتداول بين المثقفين وشقه المتداول بين العامة في المناقشات الشفهية.
حاول الخطاب النهضوي الإجابة على إشكالية واحدة: كيف يمكن أن نواجه الانحطاط ونحقق التقدم؟ هذا السؤال فرض نفسه لحظة اصطدامه بالاستعمار الذي فرض نفسه مباشرا كان أو غير مباشر.
يأتي خطاب النهضة في سياق تاريخي معين وفي ظروف تاريخية معينة التي لقد تجاوزت الرقعة الجغرافية للبلاد العربية، وساهمت في بلورتها شروط "التاريخ العالمي"، وليس الظروف الإقليمية هي التي كانت وراء الإنتاج الفكري لعصر النهضة فقط. "فالتاريخ المعاصر كل الحدود والحواجز بين الشعوب والأمم والقارات. "[4] 
إننا هنا نتحدث عن تأثر المفكر ببيئته الاجتماعية فزمن رواد النهضة كان زمن الصراع بين الذات والأخر، بين القوة الامبريالية و ضحيتها، هذه الظروف ستساهم لا محالة في التأثير على مفكري النهضة وعلى تصوراتهم لأشياء، إن فكر النهضة انعكاس لواقع الرواد على تصوراتهم وبالتالي على متونهم.
نحاول أن نقدم أهم الشروط التي أثرت فكر النهضة، طبعا لإيماننا بأن الخطاب النظري لا يمكن أن يبعد عن الواقع وان الممارسة النظرية للمفكر تفاعلا دائما وحتميا مع الميدان، إن المفكر حدث يضرب جذور التاريخ العام لاستطيع أن يكون محايدا لا يتأثر بالتاريخ وأحداثه الأخرى.[5]
ساهم عاملان رئيسيان في بلورة فكر النهضة، ويسميهما كمال عبد اللطيف بالمرتكزين الأساسين لفكر النهضة وهما:
·                    التأخر التاريخي و الانحطاط
·                    الهيمنة الاستعمارية
إن النظر في بنية المجتمع المصري وثوابته، خاصة إذا أطرنا موضوعنا على المستوى  الجغرافي في مصر، وعلى المستوى التاريخي في بداية الهيمنة الانكليزية 1882الى ثورة 1952.تكون المسألتان التي حدنا واضحتي المعالم علي محيا المجتمع المصري خاصة والعربي عامة.
1-                   التأخر التاريخي والانحطاط
يقصد في الغالب بمفهوم التأخر حالة الشرق مقابل الغرب، فالشرق متأخر تاريخيا عن الغرب في مختلف مناحي الحياة، اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا. ففي هذه الفترة على المستوى الاقتصادي كان الغرب قد دخل غمار الاقتصاد الرأسمالي بينما حافظ الشرق علي نمط الاقتصاد الأسيوي أو اقتصاد القلة. عاش سكان مصر في هذا الظرف استبدادا سياسيا وجمودا ثقافيا، لهذا السبب بالذات ردد الخطاب النهضوي مفاهيم التأخر و الانحطاط و الغفوة والنوم، مند دخول مصر تحت سلطة آل عثمان على يد السلطان سليم سنة 1517، عندما قضى على نفوذ المماليك .
إن ملامح التأخر التاريخي كانت بادية في العلاقات الاجتماعية "السائدة" في الشارع المصري، وكان عنوان المرحلة نمط شبه إقطاعي في تأطير العلاقات الاقتصادية خاصة في الريف، أما في المدن فإن العلاقات التجارية بينها وبين الاستعمار سواء لحظة الاستعمار المباشر أو قبله ساهمت في خلق اقتصاد رأسمالي تابع حيت استفادت طبقة صاعدة من الوضع.
إن تخلف الاقتصاد المصري وتزايد وطأـة توجيهه للإفادة الاقتصاد الانكليزي كان أيضا عاملا في عدم تطور المجتمع سياسيا وفشل كل محاولات الإصلاح.
لقد كانت الحياة الفكرية غارقة في الوهم و الخرافة، ولم يكن المثقف التقليدي المتحصن بالجوامع والمؤسسات الدينية التقليدية فكانوا يعيدون إنتاج نفس الخطاب التقليدي، ولم تكن لهم أية صلة بما يحدث في أوربا من نهضة شاملة، فقد انحصرت علاقتهم بالغرب في علاقة "بلاد الإسلام" و"بلاد الحرب". وخلاصة القول أن الإنسان المصري/العربي كان غافلا وملأ رأسه بمسائل البعث والنشر ولم يهتم بمتطلبات العيش الكريم".
2-      الهيمنة الاستعمارية
عمل لاستعمار الانكليزي على تدمير كل المصانع والمشاريع التي أنجزتها دولة محمد علي، عاملة علي تفكيك كل البني الحديثة التي بدأت بالنشوء بعد الحملة النابليونية. كانت حاجة أسوق الانكليزية هي من يوجه سيوجه السياسة في مصر وتحويل مصر إلى ضيعة كبرى لإنتاج القطن تابعة للمصانع.وكان التدخل العنيف هدا في سياق تصريف  أزمة الاقتصاد الرأسمالي  وحل مشاكل المادة الخام ومشاكل السوق، ومواصلة تفكيك البنيات الاقتصادية والاجتماعية المتبقية، حتى يتم تسخير الاقتصاد المصري بكل قوته لفائدة الاقتصاد الانكليزي.
عموما فإن الظرفية التي أفرزت خطاب النهضة كانت طرفية أزمة حقيقية، كان لزاما معها القيام بإصلاح أو على الأقل الدعوة لهذا الإصلاح الذي لم يتم. فكيف كانت دعوات الإصلاح هذه؟  وماهي الحلول التي قدمت؟


[1]    من الموضوعية أن نقول إن المجتمع العربي عاش مرحلة التخلف مرة  واحدة  وهي التي تحدثنا عليها وليس من الموضوعية أن نقول إن هذا المجتمع عاش تخلفا قبل الإسلام ، لان لكل عصر معاير تقدمه أو تخلفه فلا يكفي أن يكون المجتمع العربي لم يدين بعد بالإسلام حتى نقول انه متخلف كما يطرح بعض الطلبة وحتى الباحثين.

[2]   اغتيال العقل ، الدكتور برهان غليون، المؤسسة العربية للدراسات و النشر،بيروت،  ط6، 1992، ص192.

[3] اقصد هنا حملة بونا بارت إلى ومصر وكذلك لحظة 1830 سنة احتلال الجزائر. وما تلا ذلك من هزائم في الميدان.
[4]   كمال عبد اللطيف، سلمة موسى وإشكالية النهضة، المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء، ،ط 1، 1982، ص24

[5]   انطونيو كرامشي، نقلا عن  كمال عبد اللطيف، المرجع السابق،ص25.

الخطاب السلفي


ساهمت ظروف معينة في إنتاج فكر النهضة، ولم يرتبط  خطاب القرن 19 لم يرتبط فقط بهذه الظروف من ناحية إنتاجه وبلورته، إذ تجاوزت هذه الظروف الرقعة الجغرافية للبلاد العربية، وساهمت في بلورتها شروط "التاريخ العالمي".كان إشكالات النهضة واضحة اتفق عليها الجميع، لكن اختلفت الإجابات والوصفات السحرية بحسب كل تيار. حاول التيار السلفي أن يقدم سبل و أسباب تقدم الأمة إذ راهنوا على ضرورة استحضار أسباب قوة المجتمع الإسلامي في غابر عهده فما هي أهم سمات الخطاب السلفي؟ وما هي الحلول التي يقدمها للخروج من  هذا التخلف؟
سأحاول خلال هذا العرض أن أجيب في شق أول على السؤال: ما هي الأفكار التي استطعت أن التقطها في محاضرة الأستاذ عبد الكريم مدون؟ وفي شق ثان: كيف تفاعلت مع ما جاء في هذه المحاضرة؟
الشق الأول: ملخص المحاضرة
عمل التيار السلفي، الذي أنتجته ظروف تاريخية واجتماعية، أن يجيب علي الإشكالية السابقة، فأعتقد أن الخلاص من الأزمة هو الرجوع إلى الأصل.من خلال منط بعثي إحيائي. قارب أنور عبد المالك من خلال آليات ومفاهيم كرامشي  السلفي،  وقف على أهم سمات إحياء النموذج وإعادة بناء مجتمع سالف بمختلف مقوماته.
ناقش جلال الدين الأفغاني[1] الفيلسوف الفرنسي رينان، مبرزا أن علمية الإسلام لا يشوبها ريب إطلاقا. ويستطيع الإنسان المسلم فهم الفكر الفلسفي و إنتاجه حتى. فالفكر العربي قادر على الإبداع ولم يتوقف الفيلسوف العربي عند ترجمة النص اليوناني و فهمه بل أبدع ابتداعا يشهد له التاريخ به. ويربط تخلف المسلمين بسلوك المسلم وليس بالدين أو النص الديني بحد ذاته.
ليس الأفغاني وحده من سلك طريق الردود ولكن أيضا محمد عبده[2]، فقد رد الأخير على وزير الخارجية الفرنسية اثر نشره مقالا بإحدى الصحف الباريسية متهما فيه الإسلام بأنه سبب تخلف المجتمع العربي، فطبيعته المحافظة هي التي تشد العرب إلى الوراء وتحول دون تقدمهم - على حد تعبير الوزير-. لم يكن نقاش عبده حجاجيا كما هو الحال مع نقاش الأفغاني ورينان، ولكن كان اندفاعيا وانفعاليا .
عموما، إن الخطاب السلفي في مختلف أبعاده يقوم على أساسين اثنين:
· منطق البعث والحياء
وهذا المنطق يقوم على رفض الحلول الجاهزة التي جاء بها الأخر الأوربي، معتبرا أنها لا تتماشى و المجتمع الإسلامي خاصة، ولما كان قد عاش تقدما يوما ما فإنه من الواجب إحياء نهضة السلف و الاقتداء بآثارهم من اجل إعادة تحقيق النهضة والتقدم.
· منطق كونية الدين الإسلامي
لقد واجه السلفيون من خلال هذا المنطق أطروحات أجنبية، معتبرين أن الإسلام يحتوي علي القيم العالمية وهو الخلاص سواء للمجتمع العربي أو أي مجتمع آخر خاصة إذا تم الأخذ به على الطريقة الصحيحة.
الشق الثاني: مناقشة لبعض الأفكار
يحدد الخطاب السلفي جوهر الأزمة في الانفصال عن الماضي والبعد عن الدين فأثر الرجوع إلى الأصل وبعث النص كحل لواقع الانحطاط. عندما قرأ المفكر السلفي علامات هذا الانحطاط أصبح له منطقين أو جبهتي تفكير أاثنتين:
·                   المنطق العقائدي أو الإصلاح الديني
·                   المنطق التاريخي أو الإصلاح السياسي

1-              مستوى المنطق العقائدي والإصلاح الديني
يرى  السلفيون أن سبب انحطاط الأمة  وتخلفها كان نتيجة حتمية لتخلي الناس عن الدين وتكاثر البدع وأخلاق التصوف والتعليم الجامد والتقليد الأعمى، فإن أرادت الأمة أن تتجاوز تخلفها فعليها أن ترجع إلى الأصل وتتمسك بأسباب الصعود وهذا ما عبر عنه جمال الدين في خاطرة من خواطره عندما قال : " متى ضعف ما كان سبا في الصعود يحصل الهبوط والانحطاط ومتى زال ما كان سببا في السقوط يحصل الصعود".
وابرز رائدي هذا التيار جمال الدين الأفغاني و محمد عبده هذا في محاوراتهما مع الغرب. وفي هذا السياق جاءت  ردود الأفغاني على محاضرات المؤرخ الفرنسي رينان التي  كانت تبين أن الديانة الإسلامية منافية للعلم ومعادية للعلماء، وان المسلم بطبيعته لا يستطيع فهم الفكر الفلسفي أو بالأحرى إنتاج فكر حقيقي. فحاول عبده أن يوضح أن تخلف المسلمين كان راجعا إلى واقعهم و بعدهم عن الدين. وردا على القضية الثانية اعتبر أن المنتوج الفلسفي الذي أنجزه فلاسفة المسلمون زمن تقدمهم نموذجا ومثالا ولم يقف فقط على الترجمة التي قام بها مفكرو الإسلام للفكر اليوناني متجاوزا ذلك إلى أننهم أضفوا الصبغة الإسلامية علي النصوص التي ترجموها ،اذ كانت تعكس أيضا شخصية المترجم وقناعاته.
لم يخرج عبده عن هذا، عندما رد على مقال وزير الخارجية الفرنسي المنشور في صحيفة باريسية سنة 1900 بعنوان "المسألة الإسلامية". كان الوزير يطرح إن الطبيعة المحافظة التي يتصف بها الإسلام كانت السبب الرئيس وراء تخلف المسلمين عكس المسيحية التي تحفز علي النشاط وتساعد على التطور.
يقدم الخطاب السلفي مجموعة من المقارنات بين الإسلام والديمقراطية/الرأسمالية/ الاشتراكية/الليبرالية، وكان الهدف منها بالدرجة الأولى تبيان أن الإسلام ذا طبيعة كونية شمولية تتجاوز مختلف هذه النماذج والتصورات التي تنظم المجتمعات، لان الإسلام حسب اعتقادهم إطلاقي صالح لكل زمان ومكان، عندما يطبق بالشكل الصحيح، طبعا شكل السلف الصالح.



2-  مستوي المنطق التاريخي الإصلاحي
لم يكن الخطاب السلفي يقف عند الدعوة و العقيدة ولكن ظروف الزحف الامبريالي فرض عليها أن تكون لها مواقف سياسية. فأكسبوا المواجهة مع الامبريالية صبغة حرب الإسلام والمسيحية، من هنا عاد الحنين إلى دولة الخلافة فكان الموقف الطبيعي ضرورة الدعوة إلى الجامعة الإسلامية من اجل تكتيف الجهود وتقوية الأمة من اجل القدرة على رد العدوان المسيحي . فالجامعة ادن هي الكفيل الوحيد والضامن الأساسي القادر على مواجهة "الاستعمار المسيحي".
ان نقاش  السلفيين لم يكن محصورا في مواجهة الطرح الأوربي فحسب، ولكن كانت المواجهة الداخلية أقوى، إذ رفض دعاة الجامعة الإسلامية رأي من يقترح فصل الدين عن الدولة مثل رشيد رضا الذي رأى إن طرح الخلافة الإسلامية يعزز موقف المسلمين ضد الأقلية المسيحية، وباعتباره مسيحيا عربيا كان من الضروري مواجهة الخطاب السلفي والدعوة للعلمانية بإبراز دورها في خلق أسباب تقدم العرب. هذا ما رفضه عبده في الردود الستة لما وقف عند أهمية الجمع بين السلطة الدينية والسياسية ، مؤكدا أن أي فصل بينهما لن يكون إلا سبيلا لاستمرار انحطاط المسلمين، ولا يستطيع الحاكم المسلم أبدا أن يتخلص من عقيدته عند مزاولة  حكمه لان تعاليم الإسلام توصي كذلك بأمور الحكم والسياسة، والفصل هنا يكون تركا لفرائض ضرورية.
هكذا كان الطرح السلفي يقدم مشروعه وهذه هي الإستراتيجية التي يقدمها كوصفة سحرية للتقدم.


[1]  جمال الدين الحسيني الأفغاني (1838 – 1897)، أحد الأعلام البارزين في عصر النهضة العربية وأحد الدعاة للتجديد الإسلامي.، جال مجموعة من البلاد، اقدم على ترجمة مجموعة من الكتابات الي العربية،وكان له اثر علمي وسياسي.

[2]   الشيخ محمد عبده بن حسن خير الله، (1849 – 1905)، حاول الشيخ محمد عبده التوفيق بين التراث الإسلامي الذي اعتمد على التقليد بعد دخول الحضارة الإسلامية طور الجمود وبين التفكير العقلي، لذلك كان توجهه في جوهره معتزليا. وكان يرى أن النهضة يجب أن تبدأ من خلال التعليم وليس من خلال الثورة، ومع ذلك انضم إلى ثورة عرابي.